01 يناير . 3 دقائق قراءة . 802
(لبنان نموذجاً)
اليوم إذ تنحسر، مع الأسف، دعاوَى العروبة حول العالم العربي باسم تجمُّعات مذهبية أو عرقية أو سواها، أرى لزاماً على المفكرين الاجتماعيين والسياسيين وعلى المثقفين عموماً العمل من أجل إعادة تحديد مفهوم العروبة، وهو وحده الكفيل بإقامة الوحدة السليمة وسط التنوع في العالم العربي وتأسيس كيان عربي قوي يَتَّخِذ شكلاً أو آخر من أشكال الاتحاد الاقتصادي – الثقافي – السياسي. والمعنى المنشود للعروبة يتجاوز العرقية، بحيث يكون أكراد العراق وسورية عرباً لا أقل من سواهم، وأمازيغ المغرب عرباً لا أقل من سواهم، والسريان والأرمن في بلاد الشام عرباً لا أقل من سواهم... كما يتجاوز الطائفية ليكون السنّة والشيعة والمسيحيون بمختلف مذاهبهم وكل الفئات الدينية فوق الأرض العربية عرباً بالتساوي.
لا التعدد المطلق من دون وحدة كما في مثَل لبنان، ولا الوحدة التعسفية على حساب التعدد كما في مثَل البلدان العربية خارج لبنان- لا هذا ولا ذاك يشكّل فلسفة لنظام سياسي سليم. لكننا نجد هذه الفلسفة في مفهوم الوحدة في التعدد. وإذ يبقى ضرورياً جداً أن يعالَج هذا المفهوم على أيدي المثقَّفين، ولا سيّما المشتغلين في الفلسفة الاجتماعية والسياسية، فإننا نتمسك بنموذج الوحدة في التنوع على صعيدَي الدين والقومية. ونكرر أنّ الدولة العلمانية التي ندعو إليها - بالتمييز بين علمانية ليّنة أو معتدلة تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وعلمانية قاسية أو متطرّفة لا تكتفي بفصل الدين عن الدولة بل تذهب أبعد من هذا إلى حدّ محاربة الدين ومحاولة إقصائه عن المجتمع - هي الدولة الدينية "الفعلية" تمييزاً لها عن الدولة الدينية "الاسمية". فهي لا تتبنّى اسماً دينياً معيَّناً لئلّا تستعدي عليها المواطنين المنتمين إلى أسماء دينية أُخرى، ولئلّا تَفرض أيّ إيمان أو أيّ تفسيرات دينية خاصة على مواطنيها وإن انتموا إسميّاً إلى مذهب واحد، ولئلّا تحمِّل الله وأنبيائه ورسله أوزار الحكّام ومحدوديّاتهم. لكنها، في الوقت نفسه، تنتهج مبادئ الحرية والعدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان، "لأنّ هذا"، في أيّ حال، "هو الناموس والأنبياء".
ما يحتاج إليه لبنان لتحقيق الوحدة في التعدد على الصعيد السياسي هو دولة مركزية قوية تجسِّد مفاهيم الوطن والمواطَنة. الإيمان الديني لا يشكِّل قضية على هذا الصعيد. وهذا يفسِّر قول الإنجيل بإعطاء ما لقيصر وما لله لله. وفي القرآن آيات عدّة تشير إلى هذا الأمر، منها: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، و"لا إكراه في الدين". وفي إحداها يخاطِب الله تعالى نبيّه ورسوله محمَّداً بقوله: "أَفَأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين؟ ".
#العروبة #لبنان #العالم_العربي